
بدا كل شيء مصقولاً في الجلسة التي حملت اسم «خدمة العالم – الارتقاء بقطاعات السياحة والضيافة والتجار»، ضمن مؤتمر «بيروت 1»: الكلمات، الإضاءة، الابتسامات، وحتى الجرعات العالية من التفاؤل. تحدّث الجميع، وعدوا، وتفاءلوا، بمن فيهم الراعي الرسمي لـ«احتفال» جذب الاستثمارات وزير الاقتصاد عامر البساط الذي أجاب عن سؤال لـ«الأخبار» بأنّ «قدرات البلد رهيبة». لكن أي عرض «رهيب» لم يقدم.
افتتحت وزيرة السياحة لورا الخازن لحود الجلسة بالتأكيد على أنّ «السياحة تشكّل نسبة 20% من الاقتصاد اللبناني». رقم كبير، لكن ما إن أنهت لحود حديثها حتى اعترفت بأنّ الدولة لا تملك قاعدة بيانات، ولا نظام قياس، ولا حتى معرفة دقيقة بعدد الزوار، أو إنفاقهم، أو مدة إقامتهم. وهنا تتضح الحقيقة الفعلية: الرقم لا يستند إلى بيانات دقيقة، بل إلى حاجة سياسية إلى تقديم «قطاع منقذ» في بلد غابت عنه كل القطاعات.
القطاع الذي رُفع إلى مرتبة «هوية اقتصادية» يعمل اليوم بعمّال غير لبنانيين يشكّلون عموده الفقري. من الخدمة داخل المطاعم، إلى المطابخ، الفنادق، التنظيف، التوصيل، وصولاً إلى الإدارة التشغيلية. وما يُسمّى «قطاعاً واعداً» لا يُعيد إنتاج أي قيمة في الاقتصاد اللبناني. فالكلفة التشغيليّة تُدفع بالدولار، كما الرواتب، والربح يتسرب خارج النظام المالي المنهار.
في الجلسة، عُدِّدت أنواع السياحة كما لو أنّ لبنان دولة مستقرة ذات بنى تحتية متماسكة:
سياحة استشفائية، دينية، جبلية، بيئية، مؤتمرات، مهرجانات، ثقافة، فنون، والأهم من ذلك كان تغنّي وزير السياحة بـ«ليبانيز إكسبيرينس»، القائمة على الجودة والخبرة، ولكن من دون نتائج تذكر. كما تكررت كلمات الاستقرار والأمن وما يرادفهم كأنها خطة بحد ذاتها، وشكلت «الشماعة» التي يعلق عليها غياب الرؤية والخطة والنتائج.
مثلاً، جاء خطاب الممثل عن القطاع التجاري نقولا شماس كأنه «نوستالجيا» تجارية وبيان استعادة مجدٍ مفقود. فأعاد التذكير بالفينيقيين، وبـ«العناقيد الاقتصادية». كما تحدّث عن «صمود» القطاع التجاري. وأعلن شماس عن «فرصة استثمارية» ناتجة من ارتفاع الطلب وانخفاض العرض، سمّاها «حلم المستثمر»، لكنها في الحقيقة إحدى علامات الانهيار.
في حين أنّ ما قاله إياد ملص، الرئيس التنفيذي في «مجموعة الغرير»، أعاد إنتاج الوصفة السحرية التي تُقدَّم منذ سنوات: «نحتاج إستراتيجية». وقد اتخذ ملص من دبي نموذجاً، وذكر أنّها واجهت جزءاً من أزمتها بزراعة الورد وتغطية الأبنية غير المنجزة، في محاولة لتحسين الانطباع.
لكن ما يتجاهله، أو يتجاوز ذكره، أنّ هذه الإجراءات كانت تفصيلاً صغيراً فوق بنية تحتية ضخمة، ومؤسسات تعمل، وقطاع مصرفي فعّال. أما في لبنان، فلم يوقعنا في الانهيار أساساً سوى «تحسين صورة» بلد كان ينهار خلف الكواليس، حيث كانت السياسات الاقتصادية والضريبية وتصريحات «الليرة بخير» تنهش ما تبقى من دولة.
أما حديث حسن عزالدين، رئيس مجلس إدارة «غراي ماكنزي»، بدا كأنّه نصّ «لايف كوتش» جاهز عن «الفرصة داخل الأزمة». روى كيف انتقلت شركته من السوبرماركت إلى التوزيع، ثم إلى المطاعم، وكيف تحوّلت الانهيارات المتتالية إلى مسار توسّع لا إلى تراجع.
كل ذلك واقعي، لكنه في الوقت نفسه يكشف الفرق العميق بين من يملك القدرة على الاستثمار في لحظة الانهيار، وبين مجتمع كامل كان بالكاد يبحث عن مصدر دخل أو قدرة على الصمود. يقدّم عزالدين روايته بصفته نموذجاً يحتذى به، لكنه يعلم أنّ ذلك ليس حقيقة اقتصادية عامة، بل ميزة طبقية قليلة الامتداد. وذلك يعني أيضاً أنّ الكتلة الاستهلاكية انتقلت إلى عدد أقل من اللاعبين، فيما عشرات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خرجت من السوق.